يقول برنارد كوهن أن وسائل الإعلام لا تنجح دائماً في إبلاغ الجماهير كيف يفكرون ولكنها تنجح في إبلاغهم عما يجب أن يفكروا فيه. سمعت هذه المقولة خلال أول فصل دراسي لي في كلية الآداب، لقد كانت الجملة كالمحفز شخصي لأبدأ ملاحظة من حولي. تقرأ خبر على صفحة إحدى المواقع “موجة غبار تضرب الرياض خلال الساعات القادمة ” ومن هنا ستبدأ التفكير بمصير سيارتك وخططك للخروج والتنزه وغيرها من الأمور التي قد تتضرر بسبب هذه التقلبات الجوية، وهذا مثال بسيط لما يقصده كوهن بجملته.
استمريت بمتابعة نفسي ولاحظت أنني شخصياً كل يوم لا يمر إلا وقد فكرت بالأمور التي تلقيتها من وسائل الإعلام وقمت أنا بنفسي باختيارها والاطلاع عليها بناءً على من اتابعه في صفحات الانترنت أو القنوات المفضلة لدي، وهذا ينطبق على الغالبية فنحن لن نفكر بناءً على وسائل الإعلام بشكل عشوائي بل بشكل منظم وعلى حسب الأمور التي تستهوينا. فمثلاً سارة شخص محب لعالم الأزياء و٥٠٪ مما تتابعه على صفحة تويتر الخاصة بها يدور حول الموضة خبر كـ ” وفاة كارل لاغرفيلد مصمم أزياء دار شانيل” سيجذب اهتمامها بالتأكيد وستبدأ بالتفكير بأمور كـ “ماذا سيحدث لشانيل الأن؟” وهذا طبيعي جداً. بينما لو تلقى هذا الخبر شخص كنورة التي لا تهتم حقاً بهذه الأمور لن يجذبها ولن تفكر به. المعادلة سهله.
ولكن هل كل شيء يستحق التفكير والوقت؟ الإجابة بالطبع لا …
عزيزي القارئ هناك مهارة ستساعدك كثيراً في ذلك. كل يوم نجد أنفسنا وسط كم هائل من المعلومات والأخبار لذلك لابد أن نكون حذرين …
“مهارة التفكير الناقد” وهي مهارة بسيطة جداً ستحتاج منك أن تفهمها ثم تبدأ بتطبيقها فقط.
في مقالي هذا سأركز على مهارة التفكير الناقد فيما يخص “وسائل الإعلام”
ويمكننا القول بأن التفكير الناقد هو “التمهل في إعطاء الأحكام لحين التحقق من الأمر، وهو يستخدم للحكم على موثوقية أو قيمة أو دقة أو مصداقية فكرة معينة، وهذه الفكرة قد تكون قضية أو خبر أو حدث أو فلم أو رواية وغيرها الكثير“، يساعدك التفكير بشكل ناقد على تفهم وجهة نظر الأخرين والاستماع لهم بعقلية أكثر تفتح بالإضافة لعدم التسرع باتخاذ قرار. وأيضاً ينمي قدرتك كفرد على الخوض في الحوارات والتفاوض مع الأخرين.
لماذا يجب عليك استخدام هذه المهارة مع وسائل الإعلام بالذات وبشكل يومي؟
استخدامها يساهم في بناء وعيك الإعلامي وتساعدك على تجنب فخ التضليل الإعلامي، ستجعل منك متلقي إيجابي قادر على انتقاء المضمون الإعلامي وتحليله.
كيف نطبقها؟ هناك خمسة أمور في أي محتوى (الصانع – الفكرة – الوسيلة – الجمهور – الهدف) لابد لك من طرح أسئلة تدور حول هذه الأمور وأنت تحاول تحليل ما تستقبله.
أسئلة تدور حول صانع المحتوى مثال: من الذي أنتج هذا الفلم أو من الكاتب؟ من أي دولة؟ وبمجرد أن تبدأ بمن ستنتهي مع مجموعة إجابات وستستوعب الكثير، فالرسائل الإعلامية لا تأتي من العدم لذلك يجب عليك التركيز في صناعها جيداً لتتعرف على أيديولوجياتهم وطريقة تركيبهم للمحتوى.
تطرح أسئلة تحاول من خلالها فهم الفكرة الأساسية من المحتوى الذي تتلقاه كـ عن ماذا يعبر هذا الفلم أو المقال؟ هل كان شامل في عرضه لوجهات النظر ام اكتفى بزاوية واحده؟ وهنا حبذا لو تم التركيز على القيم الرئيسية في المحتوى.
ومن ثم تبدأ بالتفكير بالوسيلة التي وجدت فيها المحتوى وكيف وصلت لك وهل الوسيلة من اثرت على انتشار المحتوى أو لا. فمثلاِ نحن نعلم أن مواقع التواصل وسيلة اقوى بكثير من الراديو.
بعد ذلك لابد من التركيز على الفئة المستهدفة من هذه الرسالة هل الهدف منها التغيير في القيم التي يتبعونها وهل هذا المحتوى موجه لفئات متفرقة أم محدده
اخيراً والأهم من وجهت نظري. (هذا المحتوى صُنع لأي غرض؟) لابد من التوسع في التفكير حول موضوع الهدف من المحتوى وتأثيره إيجابي أم سلبي؟ هل تم بسببه خلق أحداث وكيف ذلك؟ ففي النهاية التأثير هو جوهر المحتوى.
قد يظهر الأمر معقد بعض الشيء لكن عندما تمارس عادة النقد في كل مره تشاهد فلم أو تقرأ مقال سيصبح الأمر سهل وعفوي لديك. هدفي من هذا الشرح البسيط هو أن اساعدك على أن تكون متلقي إيجابي ذو تفكير مستقل. شخصياً أحب أن أصدق بأن كلنا نطمح بتكوين نظرة مستقلة وللأمور. ابدأ من اليوم حاول الاجتماع مع عدد من الأشخاص وطبقوا الخطوات بشكل جماعي سيصبح التفكير أكثر متعة.
ولابد أن انوه لأمر مهم. هذه المهارة تزيد أهمية استخدامها خلال الأزمات كالحروب وغيرها، فهي تُعد بمثابة واقي لعقلك من الأمور التي قد تهددك على وسائل الإعلام خلال الكوارث لذلك لا تنسى أن تُمرن عقلك فهو أمانه لديك.