التشفير الإعلامي بين المعنى والتأويل
لم يعد المتلقي في العصر الرقمي مجرد مستقبل سلبي لرسائل الإعلام، بل أصبح فاعلًا ومحللًا ومشاركًا في إنتاج المعنى. ومع تطور وسائل الإعلام وتنوع منصاتها، لم تعد الرسالة الإعلامية تنتهي عند إرسالها، بل تبدأ عند استقبالها، حيث تُعاد قراءتها وتفسيرها وفقًا لتجارب المتلقين وسياقاتهم الثقافية والاجتماعية
هنا يظهر نموذج التشفير وفك التشفير الذي قدّمه الباحث “ستيوارت هول”، كإطار لفهم العلاقة الديناميكية بين الرسالة والجمهور، وكيف يتشكل المعنى بطريقة تفاوضية تتجاوز نوايا المُرسل
المعنى ليس مطلقًا… بل متعدد
يفترض هذا النموذج أن الرسائل الإعلامية تُنتج في سياق ثقافي واجتماعي معين، وتُشفّر بمعانٍ قد لا تُفهم بالضرورة بالطريقة ذاتها من قبل جميع المتلقين. فكل متلقٍ يُعيد فك التشفير استنادًا إلى خلفيته ومعرفته وموقفه الشخصي، ما يؤدي إلى تعددية في التأويل.
:نموذج هول يقترح ثلاثة أنواع من القراءات
قراءة مهيمنة: يتبنى فيها المتلقي المعنى المقصود كما أراده المُنتج
قراءة متفاوض عليها: يُدرك فيها المتلقي بعض جوانب الرسالة، لكنه يرفض أو يُعيد تفسير البعض الآخر
قراءة معارضة: يرفض فيها المتلقي المعنى تمامًا ويُعيد بناءه بطريقة تتعارض مع نية المُرسل
دراسة حالة: علاء الدين والصورة النمطية
:في دراسة استكشفت آراء جمهور متنوع حول فيلم علاء الدين من إنتاج ديزني، تبيّن أن التفاعل مع الفيلم اختلف بشكل كبير حسب خلفية المتلقي
فئة من الغربيين استمتعت بالفيلم رغم إدراكها للصور النمطية
فئة من المسلمين وغير المسلمين رأت الفيلم ممتعًا ولكنها تجاوزت بعض التمثيلات المزعجة
أما الفئة المعارضة، خصوصًا من المسلمين، فقد رفضت الفيلم لما يحمله من إيحاءات سلبية تجاه الثقافة الإسلامية، رغم حنينها له كجزء من الطفولة
تؤكد هذه الدراسة أن الجمهور ليس كتلة واحدة، بل طيف واسع من التأويلات التي تعكس تنوع الخبرات والهويات
لماذا يهمنا هذا النموذج اليوم؟
:في ظل انفجار المعلومات وتعدد مصادرها، أصبح من الضروري أن نتعامل مع المحتوى الإعلامي بعين ناقدة ووعي متسائل
ما الرسالة التي تُبث؟
من يخاطَب بها؟
ولأي غرض؟
التفكير النقدي والرجوع إلى مصادر متعددة يساعدان في تكوين رؤية متوازنة وشاملة، بدل الاكتفاء بوجهة نظر واحدة قد لا تعكس الواقع كاملًا
الرسائل الإعلامية ليست نهائية، بل دعوات مفتوحة للتأويل
وكل قارئ يحمل مفتاحًا خاصًا لفك الشيفرة، مستمدًا من ذاكرته، وثقافته، وخبرته